العلاقات بين الجنسين عن طريق الأنترنت: صدمات عاطفية ونظره شرعية

كمعظم وسائل التكنولوجيا الحديثة ، أصبح الإنترنت سلاحاً ذو حدين حيث أصبح أداة تتميز بالسرية وسهولة الاتصال، كما يتوافر عليها الكثير من المواقع السيئة حيث تشير دراسات معهد هاردنج إلى وجود أكثر من 72000 موقع جنسي على الإنترنت، وتزيد هذه المواقع بمعدل 266 موقعا يوميا، وهذه المواقع وحدها تحقق ربحا قدره بليون دولار سنويا.
مواقع الزواج ... وهم المراهقات
وقد أثرت نتائج هذه الدراسة على مجتمعاتنا المسلمة حيث أصبح الإنترنت منبعاً لبعض السلوكيات المنحرفة وملاذاً لبعض المراهقات فكما تقول نهلة 18 سنة: " مجتمعنا يرفض العلاقات الطبيعية بين الشباب والفتيات، والأمهات تحاول أن تربي الفتيات بشكل منغلق حتى تصبح " قطة مغمضة" عندما تتزوج، وتنسى الأمهات احتياجات الفتاة في هذا العمر أن تشعر بأنوثتها وثقتها في نفسها، اعترف أنني أقيم علاقات عبر غرف الدردشة لاثبات ذاتي وأنني قد أستطيع لفت نظر الشباب بشخصيتي، لكن طبعا لا أكشف عن هويتي الحقيقية".
وقد تتطور العلاقة بشكل أكبر ومن النهايات المأساوية ما تقوله  سها 26 عاماً:" تعرفت عليه عبر أحد مواقع الزواج الجادة، وبعد فترة وضح أنه مرتاح مبدئياً وأنه يود أن نتقابل على أرض الواقع حتى نتأكد من القبول الشكلي، وتقابلنا أكثر من مرة في أماكن عامة شعرت فيها بالقبول خاصة وأني من عداد العوانس كما يقول أهلي، توطدت علاقتنا وأصبحت أثق به، في البداية أعطاني حنان الذئاب، وبعد فترة بدأ يقترب مني وعندما أرفض كان يقول لي " أنتي لا تحبينني إذن لا نصلح لأن نكون زوجين" فكنت أخاف أن يتركني وقد تعلقت به ، فأستجب لما يريد، وخلال أربعة أشهر أختفى، وبعد بحث مضني عنه أخبرني أنه لا يستأمنني أن أكون زوجة له !! لأني قد أتعرف على غيره عبر الإنترنت مثلما تعرفت عليه".
الإنترنت والخيانة الزوجية
والخيانة –عبر الإنترنت - سهمٌ مسموم يخترق القلب حين يكتشف الزوج –أو الزوجة- أن الطرف الآخر يخون، حيث تتحوّل كل مشاعر الحب والرغبة إلى مشاعر متناقضة من اشمئزاز وتعب ويتقدّمها شعورٌ بجرحٍ عميق لن يندمل، وتبدأ النفس تمور بأفكار سلبية لعل أهمها هو تذكّر التضحية خلال الأعوام السابقة لقلبٍ ما حفظ هذه العشرة، وأخطرها فقدان القدرة على الاستمرار مع شريك خائن، وقد يسامح طرف في العلاقة الطرف الآخر مهما صدر منه من تصرفات بشِعة أو كلمات جارحة ويغفر ويتساهل للحفاظ على كينونة الأسرة ومصلحة الأولاد، إلا الخيانة، فإنها تجعل الحياة شبه مستحيلة بين الزوجين لأنها بكل بساطة تقتل الثقة بينهما وحين تموت الثقة ما الذي قد يحيي المودة أو الرحمة في هذه العلاقة؟
وقد وضحت دراسة أجراها بعض الباحثون في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن حالة من كل خمس حالات طلاق تعود لاكتشاف شريك الحياة خيانة الطرف الآخر عبر موقع الـ"فيس بوك"، وأكدت الدراسة على أن الفيس بوك يسر الخيانة بشكل كبير، حيث يمكن العثور على الحب الأول بسهولة شديدة وإستعادة التواصل معه، أو حتى الدخول في علاقات جنسية عابرة مع أي شخص  .
وأكدت الدراسة أن أسباب الخيانة تعود إلى عدم تكافؤ الزوجين كالفقر والدخل المعيشي أو اختلاف  العمر والمستوى التعليمي، وغياب الزوج لفترات طويلة سواء بسبب سفر أو عمل، المعاملة السيئة من جانب الزوج، وعدم احترام الزوجة أو إعطائها حقوقها الزوجية في  المعاشرة، الانتقام بسبب خيانة الرجل لها أو الزواج بأخري، افتقاد عنصر الحب والحنان والعاطفة، كما يقدم الزوج على الخيانة عندما تصبح حياته باهتة باردة وروتينية، حيث يبحث عن امرأة تعطيه ما لم تستطيع زوجته إعطاءه، فمثلاًُ عند قدوم أول طفل وحين يقل اهتمام الزوجة بزوجها يشعر بغضاضة شديدة ، فالرجل بطبيعته يحب ان يشعر دائماً أنه جذاباً ومرغوباً به، هذا بالإضافة إلى المرأة التي تسخر من زوجها بشكل مستمر ولا تحترمه، وأخيراً قد يكون السبب هو الانحراف النفسي الموجود في الشخصية بسبب خلل في النشأة الأسرية، أو انحراف، أو اضطراب المزاج، أو بعض الأمراض النفسية".
الجنس على محركات البحث
كما أجرى إحد المواقع الإسلامية استطلاعا يحاول رصد حجم ظاهرة الخيانة الإلكترونية في محاولة منهم لقياس وتحليل الظاهرة، وقد أشارت النتائج إلى أن نسبة 14.85% من المشاركين – حوالي 9000 مشارك - أنها وقعت بالفعل في الخيانة الإلكترونية، بينما كانت نسبة من هم على وشك الوقوع 4.86%، ونفى 80.56% وقوعهم في هذه الخيانة، حيث أن الاستطلاع لم يحدد الفئة العمرية وجنس المشاركين ومدة واستمرارية العلاقة ودرجة الخيانة الإلكترونية.
وقد أكدت الدراسة أيضاً على أن مدمني الإنترنت أكثر عرضة للسقوط في براثن الخيانة الإلكترونية، خاصة وأن الجنس يحتل المركز الأول بين مواضيع البحث على الإنترنت، حيث يمثل نسبة 25% من كلمات البحث ،يمثل و8% من البريد الإلكتروني (بمعدل يومي 4.5 خطابات إباحية للمستخدم الواحد)، والمواقع الإباحية تمثل 12% من إجمالي مواقع الإنترنت ،وتتراوح نسبة من يسقطون في شراك الخيانة الإلكترونية بين 22% بين النساء، و37% بين الرجال، وحوالي 70% من الوقت الذي يقضى على الإنترنت يصرف في غرف الشات الخاصة بالعلاقات العاطفية والجنسية، ورغم هذا يعتبر 54% من الرجال أن هذه العلاقات لا تعتبر خيانة.
كما خرجت دراسة أخرى ميدانية أميركية بأن 20% من حالات الطلاق تعود إلى إكتشاف أحد الطرفين خيانه الطرف الآخر عبر الإنترنت، وكانت منظمة قضاة الطلاق قد أوضحت مؤخرا أن 66% من حالات "الخيانة الالكترونية" كانت من نصيب موقع فيس بوك مقابل 15% لموقع ماي سبيس و 5% لتويتر، واتفقت معها دراسة ألمانية اجرتها مؤسسة جيفيس أن أربعة من بين كل عشر سيدات متزوجات أقمن علاقات غير مشروعة عبر الإنترنت مقابل 51% من الازواج.
الإنترنت ... وبثر الوحل
وهنا فقد كان الإنترنت طريقاً لوقوع بعض الأزواج في بئر الخيانة الوحل دون الانتباه لنتائج مثل هذا التصرف حيث تقول م.أ 33 عاماً :" منذ ثلاثة أعوام انضممت لمنتدى تعارفت فيه على الكثيرون حيث أعاني من وقت فراغ طويل، وخلال ذلك راسلني أحد الشباب اللذين كنت أقرأ كتاباتهم الجيدة، وكعادة إثنان ثالثهما الشيطان على الإنترنت توطدت علاقتنا ارتحت إليه كثيراً، وارسلت له بعض صوري الشخصية لي وطلبت منه أن يحذفها لكنه لم يفعل، وعندما بدأ زوجي يشك في الأمر قررت أن انهى العلاقة، لكنه رفض، وظهر الوجه الآخر له الذي صار يلمح بالتهديد بما يملكه من صور ومحادثات قام بتسجيلها".
كما يجد بعض الشباب أن علاقات الإنترنت لا تمثل خيانة لشريك الحياة حيث أنها مجرد خيال كما يقول مصطفى 38 عاماً : "زوجتي لا تعرف من أي زر يفتح جهاز الكمبيوتر، فحياتها في البيت والديكور والأبناء، تعارفت على الكثيرات عبر موقع الفيس بوك، ووجدت في بعضهن شخصيات جذابة، بل وأن بعضهن يستخدمن أسماء مستعارة ولا يجدن مشكلة في الحديث عن بعض الموضوعات الجنسية، هو مجرد تسلية وتغيير في الروتين الممل للحياة".
استبدال الحلال بالحرام
توجهنا إلى المستشارة الأسرية الاستاذة سحر المصري مؤسِّسَة جمعية مودّة للإرشاد الأسري في طرابلس، وعضو الرابطة العالمية للإرشاد الأُسري، والحاصلة على دبلوم في الإرشاد الأُسري والتي تتحدث عن أسباب الخيانة الزوجية عبر الإنترنت قائلة:"  حين ينقطع الخوف من الله جل وعلا ويفقد الإنسان روعة العلاقة بينه وبين خالقه حينها يصبح لقمة سائغة للشهوة فيكتال منها وقتما يشاء كيفما يشاء دون أدنى رعاية لما قد يخلّف ذلك من مشاكل عائلية أو شرعية.
يكون قد فَقَد البوصلة التي توصله إلى السكينة والركون، واستسلم للرغبة الجسدية والتي في حالة الخيانة على الشبكة العنكبوتية لا ينال شيئاً مادياً منها وإنما مشاعر وألفاظاً تُسكِت الذئب الذي يعوي بداخله بكسرات خبز لا تسمن ولا تغني من جوع، بينما الرزق الحلال يقبع إلى جانبه وقد عمي عنه وأعرض.
كما أن عدم الإشباع العاطفي بين الزوجين سواء بالمشاعر أو بالحاجات الجسدية سبباً لمثل هذه السلوكيات المنحرفة، فإن كان الطرف الآخر في العلاقة الزوجية مقصِّراً في واجباته من إشباع الطرف الآخر من خلال الكلمات الحانية أو التصرفات الودودة أو العلاقة الجنسية فقد يلجأ "المحروم" إلى وسائل أُخرى تُغني وأيسرها هو دخول الانترنت والحصول على اللذة الآنية المرغوب بها، خاصة مع سهولة الوصول إلى هذه الشهوة والسرية والتستر وراء أسماء وهمية،  فتكلفة دخول الانترنت بسيطة والتعرّض للفضيحة نسبته قليلة فإن وجد الرجل –أو المرأة بشكل أخف- الرغبة في اكتساب علاقات "غير حقيقية" بالمعنى المجازي ولا تكلّفه في ماله وسمعته فإنه يدخل فيها دون خوف أو توجس.
إدمان الإنترنت
وقد يكون اعتياد طرف ما على دخول هذه البؤر الفاسدة منذ أن وعى وقبل ارتباطه بزواج، وتعذّر عليه الانسلاخ عنها إذ يصبح الأمر كالإدمان يصعب الانفكاك منه، هذا بالإضافة إلى الفراغ والجهل والوحدة فهي أسلحة خطيرة قد تؤدي إلى الإصابة بالخيانة الزوجية، وكذلك الإحباطات والضغوط التي يعاني منها طرف ما فينتهي بين براثن العلاقات المحرّمة في الشبكة العنكبوتية، وهناك أسباب عديدة أُخرى كالمرض النفسي وعُقد النقص والغياب الدائم أو الكبير وكثرة مشاهدة المواقع الإباحية وربما الانتقام من إهمال الشريك أو حب المغامرة بدافع الفضول.
وعن أسباب انتشار الخيانة الالكترونية عن الخيانة على أرض الواقع تضيف قائلة: " يستسهل البعض الخيانة الزوجية في العالم الافتراضي ويعتبرون أنها تشكّل متنفساً نفسياً لهم وأنها أخف ضرراً من الخيانة في العالم الحقيقي لما للأخيرة من عواقب اجتماعية وخيمة من أمراض أو فضائح أو تهديدات اجتماعية وما إلى ذلك، وقد تبدأ العلاقة "بريئة" ثم تتطوّر لتصبح مأساة تسمم الحياة الزوجية.
وفي حين يمكن للزوجة بصعوبة أن تتجاوز هذا الأمر إن تم علاجه عند الزوج ولكنه سيتّخذ منحىً آخر عند الزوج إن اكتشف أن زوجته تخونه على الانترنت،  ففي مجتمعاتنا الشرقية لا يمكن أن يُتصوّر خيانة الزوجة ولو افتراضياً فحساسية وضعها الأنثوي تفرض عليها أن تبقى وفية لزوجها مهما كانت الظروف المحيطة بها قاسية".
المراهقة والإنترنت ... رصد وتحليل
وعن سبل مواجهة هذه المشكلة يضيف الدكتور إبراهيم رجب رئيس قسم الخدمة الاجتماعية السابق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية :" هذه العلاقات شاذة و منحرفة بالطبيعة، وتتميز بالعشوائية المطلقة، فالإنترنت مجال عام مفتوح للجميع، يمكن فيه إقامة علاقة بين أي طرفين يمكن تخيلهما، و يمكننا أن نؤكد أنها بالأساس علاقات بين محبطين، فاشلين اجتماعيا، و تتضمن تزييفا مرعبا لحقيقة الإنسان، الذي يتحول إلى ما يقوله / يكتبه بدلا مما يفعله، فالكذب سمة أساسية لهذه العلاقات، و المكون الأساسي لأي مشكلة تالية في حالة استمرار العلاقة.
وللأسف كل هذه العلاقات تبدأ بنقاش عادي، في كثير من الأحيان ( ديني) ، و تتطور تدريجيا إلى حيث يريد الطرف الأكثر وعيا بنفسية الآخر، -غالبا الرجل- و يكون شكل العلاقة في الأغلب هو انبهار أحد الطرفين بالآخر، وتحمل هذه العلاقات خطرا محدقا، يمكنها أن تتضمن كل أشكال الانحراف من الزواج العرفي و حتى الشذوذ الجنسي، و بالطبع ينبغي الابتعاد عن منطق العنف و الحذر في التعامل معها الذي لا يزيد الطين إلا بلة خاصة مع المراهين".
 والملاحظ هنا أن جزءا كبيرا من خطر هذه العلاقات يرتد إلى جهل الآباء باستخدامات الحاسب الآلي، وفي بعض الأحيان يتسبب هذا الجهل في حالات من الرقابة التعسفية التي تحمل منعا صارما من امتلاك أو استخدام الحاسب الآلي ( خاصة بالنسبة للفتيات ) ، و في الحالات الأخرى يكون الإهمال الناجم عن الإيمان العميق بفوائد هذا الجهاز السحري.
بالإضافة إلى الفراغ الهائل الذي يعانيه الشباب من الجنسين، فانعدام الأنشطة الثقافية والرياضية والاجتماعية الحقيقية، خصوصا بين الفتيات، إضافة لانعدام الاتصال الصحي والمنضبط بين الجنسين في هذه الأنشطة يجعل من الفرد كيانا ذا بعد واحد، لا يهمه سوى الوصول لعلاقة بالجنس الآخر بأي ثمن و بأي وسيلة.
وبالطبع جاءت ظاهرة انتشار مقاهي الإنترنت لتقدم حلا عبقريا للشباب الذكور تحديدا، و الفتيات (نهارا)، إضافة لانتشار الحواسيب الشخصية بالمنازل، لنرى هذا الكم الهائل من علاقات الإنترنت، و التي تتراوح بين علاقات المتدينين التي تسعى للهداية المشتركة ( و إن كنا نؤكد أن الدافع وراءها ليس كما يبدو) إلى العلاقات التي تسعى لعلاقات جنسية كاملة، كما أننا نلحظ بدء انتشار فكرة الدعارة على الإنترنت، حيث تسعى بعض الفتيات لاستقطاب زبائنهن من خلال مواقع بعينها.
فالمشاركة النفسية مع الأبناء، و إتاحة الفرصة لهم للتعبير عن آرائهم مهما بدت "منحرفة" أساس هام للخروج من هذه المشكلات، فعلى الآباء أن يداوموا السؤال عن حالة أبنائهم و بناتهم – على حد سواء – العاطفية، و في حالة علاقات الإنترنت يجب أن يكون هناك حوار مفتوح في المنزل بين كل الأطراف – ربما أسهم أخ أو أخت في مرحلة سنية مقاربة في تلطيف الأجواء – حول مدى موافقة الطرف الآخر، بل و طلب لقائه مبكرا ( حتى و لو لم يكن في سن الزواج)، للوقوف على أبعاد العلاقة والحول دون تطورها في غير الاتجاه الصحيح.
وبالطبع أنه إذا توفرت هذه الأجواء النفسية السليمة من البداية لما نشأت أية علاقات منحرفة، فهي – و على رأسها علاقات الإنترنت – علاقات للتعويض العاطفي و النفسي و ليست علاقات عاطفية حقيقية قائمة على المسئولية المشتركة و الرغبة في تأسيس أسرة.
التغييب الجنسي والأفلام الإباحية
كما أن للتغييب الجنسي الكامل الذي يعانيه مجتمعنا دور في ذلك، حيث أن سيطرة ثقافة الأفلام الإباحية على الشباب و الرجال، في ضوء سيادة الثقافة الجنسية السمعية إن وجدت لدى الفتيات، خاصة في الطبقة الوسطى و الشرائح الأدنى، تؤدي لأشكال من الانحرافات الجنسية البالغة، في ظل محاولات الاكتشاف الجنسي المشترك، أو الشذوذ التام في مسألة العلاقة الجنسية و الناجم عن غياب أي نوع من المعرفة العلمية أو الدينية بالأمر.
و لا تخطئ العين، أن وراء كافة هذه العلاقات، نلقى أيضا انعدام الثقة في الأهل، و غياب القدوة، و الرقابة الرشيدة، و انعدام التنشئة الدينية و المجتمعية، إضافة إلى الإحباط الشديد الذي يعانيه شباب و فتيات مجتمعنا في ظل عجزهم عن الوصول لعلاقات شرعية و مرضية في ذات الوقت.
وفي أغلب الأحيان ما تكون الفتيات ضحية في هذا النمط من العلاقات، حيث أن الفتاة تحتفظ بصورة أفلاطونية عن شريكها و تكون على أتم استعداد لتقديم أية تضحية – بالطبع تتفاوت هذه التضحيات حسب شخصية الفتاة – للإبقاء على العلاقة، في حين يكون الطرف الآخر أكثر استهتارا بالعلاقة و أهميتها، و ربما يلجأ لعلاقات أخرى على سبيل التجربة.
إن الدور الذي يلعبه الأهل في نشأة و تطور هذه العلاقات أكبر كثيرا مما يتخيله الأهل أنفسهم، ففي معظم الأسر يكون الأب "فزاعة" لا أكثر، بمعنى أنه هذا الكيان المرعب الذي لا يمكن الثقة فيه و لا في ردود أفعاله على المشكلات المختلفة، أما الأم فهي تتراوح بين الأم مفرطة التساهل، و الأم المتسلطة الاستحواذية التي تتدخل في كل صغيرة و كبيرة تمس أبناءها. و فهم الأسرة لطبيعة مرحلة المراهقة عموما فهم قاصر، فبالنسبة لهم للأهل الابن أو الابنة التي لا تنقل لهم مشكلات عاطفية حالة مثالية، على أن أغلب هؤلاء المثاليين إما واقعون في علاقات سرية أو تحت وطأة ضغط نفسي رهيب لفشلهم في تشكيل علاقة.
الخلوة الإلكترونية
 ومن الناحية الشرعية يقول الدكتور محمود الهاشمي أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر الشريف: " التواصل بين المرأة والرجل عبر الإنترنت سواء في غرف المحادثات الخاصة، أو عبر المرسال الفوري – الماسنجر – يعتبر خلوة بينهما وثالثهما الشيطان، وحتى إذا كان مجال الحديث عام، إلا أنه يتحول بعد ذلك إلى بعض الحوارات الأخرى المحرمة ، خاصة وأنه قد يفتن أحد الطرفين بالآخر وتتحول إلى علاقة عاطفية محرمة،  فغالباً يتم تبادل الصور بين الطرفين، وبعض المعلومات الشخصية، وبعض العواطف إذا لم تأخذ العلاقة طابعاً جنسياً فقط في أحيان كثيرة عبر التواصل بالصوت والصورة، فقد  قال أبو هريرة: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: إنَّ الله كَتَبَ على ابن آدم حظه من الزنا: أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يُصدِّق ذلك أو يُكذبه فدور القلب في النفس التي تتمنى وتشتهي فما تشتهيه النفس هذا حظها ونصيبها في جريمة الزنا .
وللأسف فإن الكثير من المراهقات تقتنع أنها قد تتعرف على شاب – صالح – عبر الإنترنت وتتزوج منه، وهذا مدخل الشيطان ليبرر للشاب إقامة علاقات مع الفتيات عبر الإنترنت بحجة أنه يريد الزواج منها بعد ذلك، فهذا لا يختلف كثيراً عن الذي يقابل فتاة في الجامعة أو العمل يغرض التعرف عليها للزواج ، فالإسلام حرم هذا العبث واللهو بأعراض المسلمين، فالشاب الصالح حقاً يعرف الطريقة الشرعية للزواج من الرؤية الشرعية ثم الخطبة من ولي الفتاة، وفي فترة الخطوبة ومع وجود الأهل يتم التعارف في النور وليس خلف شاشات الكمبيوتر، وعموماً فالإنترنت وعلاقاته الغرامية المحرمة آلة لتجسيد الأحلام والرغبات الدفينة، في مقابل التحلل من القيود والضوابط والالتزامات التي تكون موجودة في أي علاقة اجتماعية علنية، كما أن فضاء الإنترنت في الأغلب ما تغيب عنه القيم المتعارف عليها".
علاقات الإنترنت ... هل هي بمثابة الزنا؟
وقد تصل بعض العلاقات عبر الانترنت لممارسة العلاقة الزوجية – الكترونياً – من خلال الأحاديث الجنسية وتبادل بعض الصور وغيرها وعن هذا يقول الدكتور مصطفى بدر الباحث الشرعي بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة قائلاً: " اختلاط الرجال الأجانب بالنساء الأجنبيات عنهم والعكس الأصل فيه عدم الجواز، لما أمر الله به من غض البصر وتحريم الخلوة وحفظ الفرج وعدم الاقتراب من الزنا، ويستثنى من ذلك مواطن الضرورة والحاجة، فلا ينبغي للمسلم أن يختلط بالأجنبية أو يتحدث معها سواء بشكل مباشر أو على الهاتف أو عبر الإنترنت وغيرها من وسائل التصال إلا لضرورة أو حاجة ووفقاً للشروط التي حددها الشرع.
وبالتأكيد فإن التجاوز في التعامل بين الرجل والمرأة عبر الإنترنت في غير  والحاجة قد يؤدي للعديد من التجاوزات الشرعية، بل أن بعض التعاملات تبدأ في إطار شرعي ثم تخرج عنه بالأحاديث الجانبية الثانوية التي قد تطول لأن تتكون علاقة غير شرعية بين الطرفين قد تصل في أغلب الأحيان إلى مقدمات الزني والأحاديث الجنسية، ولا يعد هذا زنا يستوجب إقامة الحد لكنه ذنب عظيم يستوجب التوبة النصوح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق